الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب الدعاء عند الكرب) بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة، هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الشرح: قوله (هشام) وفي الطريق الثانية " هشام بن أبي عبد الله " وهو الدستوائي، وأبو العالية هو الرياحي بتحتانية ثم مهملة واسمه رفيع، وقد رواه قتادة عنه بالعنعنة وهو مدلس، وقد ذكر أبو داود في السنن في كتاب الطهارة عقب حديث أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية قال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة. وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون، وروى ابن أبي حاتم في " المراسيل " بسنده عن يحيى القطان عن شعبة قال: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث فذكرها بنحوه ولم يذكر حديث ابن عمر، وكأن البخاري لم يعتبر بهذا الحصر لأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه، وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة، وهذا هو السر في إيراده له معلقا في آخر الترجمة من رواية شعبة. وأخرج مسلم الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أبا العالية حدثه، وهذا صريح في سماعه له منه. وأخرج البخاري أيضا من رواية قتادة عن أبي العالية غير هذا، وهو حديث رؤية موسى وغيره ليلة أسرى به. وأخرج مسلم أيضا. وقوله في هذا المعلق " وقال وهب " كذا للأكثر، وللمستملي وحده " وهيب " بالتصغير. وقال أبو ذر: الصواب الأول. قلت: ووقع في رواية أبي زيد المروزي " وهب بن جرير " أي ابن حازم فأزال الإشكال، ويؤيده أن البخاري أخرج الحديث المذكور في التوحيد من طريق وهيب بالتصغير وهو ابن خالد فقال: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. فظهر أنه عند وهيب بالتصغير عن سعيد بالمهملة والدال، وعند وهب بسكون الهاء عن شعبة بالمعجمة والموحدة. قوله (كان يدعو عند الكرب) أي عند حلول الكرب، وعند مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة " كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب " وله من رواية يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي الحارث عن أبي العالية " كان إذا حزبه أمر " وهو بفتح المهملة والزاي وبالموحدة أي هجم عليه أو غلبه، وفي حديث على عند النسائي وصححه الحاكم " لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن نزل بي كرب أو شدة أن أقولها". قوله (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم) ووقع في الرواية التي بعدها بلفظ " ورب الأرض ورب العرش الكريم " وقال في أوله " رب العرش الكريم " بدل " العظيم الحليم " ووقع جميع ما تضمنته هاتان الروايتان في رواية وهيب بن خالد التي أشرت إليها، لكن قال " العليم الحليم " باللام بدل الظاء المعجمة، وكذا هو لمسلم من طريق معاذ بن هشام وقال " العظيم " بدل " العليم". الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَقَالَ وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ الشرح: قوله (رب العرش العظيم) نقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم، وكذا برفع الكريم في قوله " رب العرش الكريم " على أنهما نعتان للرب، والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش، وكذا قرأ الجمهور في قوله تعالى (رب العرش العظيم - ورب العرش الكريم) بالرفع، وقرأ ابن محيصن بالجر فيهما، وجاء ذلك أيضا عن ابن كثير وعن أبي جعفر المدني، وأعرب بوجهين أحدهما ما تقدم والثاني أن يكون مع الرفع نعتا للعرش على أنه خبر لمبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح، ورجح لحصول توافق القراءتين، ورجح أبو بكر الأصم الأول لأن وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش، وفيه نطر لأن وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم، فقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان، قال العلماء: الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة، والعظيم الذي لا شيء يعظم عليه، والكريم المعطى فضلا، وسيأتي لذلك مزيد في شرح الأسماء الحسنى قريبا. وقال الطيبي: صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب، لأنه مقتضى التربية، وفيه التهليل المشتمل على التوحيد، وهو أصل التنزيهات الجلالية، والعظمة التي تدل على تمام القدرة، والحلم الذي يدل على العلم، إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم، وهما أصل الأوصاف الإكرامية. ووقع في حديث على الذي أشرت إليه " لا إله إلا الله الكريم العظيم، سبحان الله تبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين " وفي لفظ " الحليم الكريم " في الأول وفي لفظ " لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم " وفي لفظ " لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين " أخرجها كلها النسائي. قال الطبري: معنى قول ابن عباس " يدعو " وإنما هو تهليل وتعظيم يحتمل أمرين: أحدهما أن المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء كما ورد من طريق يوسف ابن عبد الله بن الحارث المذكورة وفي آخره " ثم يدعو". قلت: وكذا هو عند أبي عوانة في مستخرجه من هذا الوجه، وعند عبد بن حميد من هذا الوجه " كان إذا حزبه أمر قال " فذكر الذكر المأثور وزاد " ثم دعا " وفي " الأدب المفرد " من طريق عبد الله بن الحارث " سمعت ابن عباس " فذكره وزاد في آخره " اللهم اصرف عني شره " قال الطبري: ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال: كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب؛ وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء. كان على الرجاء. ثانيهما ما أجاب به ابن عيينة فيما حدثنا حسين بن حسن المروزي قال " سألت ابن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الحديث فقال سفيان: هو ذكر، وليس فيه دعاء، ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل. من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " قال وقال أمية ابن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضك الثناء قال سفيان: فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرم اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخالق؟ قلت: ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله تعالى له " أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم، وفي لفظ للحام " فقال رجل: أكانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع إلى قول الله تعالى وقال ابن بطال: حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث، وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر، فقال لي صلى الله عليه وسلم: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه. قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج انتهى. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب " الفرج بعد الشدة " له من طريق عبد الملك بن عمير قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان أنظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلدة وأوقفه للناس، قال فبعث إليه فجيء به فقام إليه علي بن الحسين فقال: يا ابن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك، فذكر حديث علي باللفظ الثاني، فقالها، فرفع إليه عثمان رأسه فقال: أرى وجه رجل كذب عليه، خلوا سبيله، فسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره فأطلق. وأخرج النسائي والطبري من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال: لما زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال لها إن نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. قال الحسن: فأرسل إلى الحجاج فقلتهن فقال: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك، فلأنت اليوم أحب إلي من كذا وكذا. وزاد في لفظ: فسل حاجتك. ومما ورد من دعوات الكرب ما أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي عن أسماء بنت عميس قالت " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب؟ الله الله ربي لا أشرك به شيئا " وأخرجه الطبري من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس مثله. ولأبي داود وصححه ابن حبان عن أبي بكرة رفعه " دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت". *3* الشرح: قوله (باب التعوذ من جهد البلاء) الجهد بفتح الجيم وبضمها المشقة، وتقدم ما فيه في حديث بدء الوحي أول الكتاب، والبلاء بالفتح مع المد ويجوز الكسر مع القصر. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ قَالَ سُفْيَانُ الْحَدِيثُ ثَلَاثٌ زِدْتُ أَنَا وَاحِدَةً لَا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ هِيَ الشرح: قوله (سمي) بالمهملة مصغر هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي. قوله (كان يتعوذ) كذا للأكثر، ورواه مسدد عن سفيان بسنده هذا بلفظ الأمر " تعوذوا " وسيأتي في كتاب القدر، وكذا وقع في رواية الحسن بن علي الواسطي عن سفيان عند الإسماعيلي وأبي نعيم. قوله (ودرك الشقاء) بفتح الدال والراء المهملتين ويجوز سكون الراء وهو الإدراك واللحاق، والشقاء بمعجمة ثم قاف هو الهلاك، ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك. قوله (قال سفيان) هو ابن عيينة راوي الحديث المذكور، وهو موصول بالسند المذكور. قوله (الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن) أي الحديث المرفوع المروي يشتمل على ثلاث جمل من الجمل الأربع؛ والرابعة زادها سفيان من قبل نفسه ثم خفي عليه تعيينها، ووقع عند الحميدي في مسنده عن سفيان " الحديث ثلاث من هذه الأربع " وأخرجه أبو عوانة والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق الحميدي ولم يفصل ذلك بعض الرواة عن سفيان، وفي ذلك تعقب على الكرماني حيث اعتذر عن سفيان في جواب من استشكل جواز زيادته الجملة المذكورة في الحديث مع أنه لا يجوز الإدراج في الحديث فقال: يجاب عنه بأنه كان يميزها إذا حدث، كذا قال وفيه نظر، فسيأتي في القدر عن مسدد وأخرجه مسلم عن أبي خيثمة وعمرو الناقد والنسائي عن قتيبة والإسماعيلي من رواية العباس بن الوليد وأبو عوانة من رواية عبد الجبار بن العلاء وأبو نعيم من طريق سفيان بن وكيع كلهم عن سفيان بالخصال الأربعة بغير تمييز، إلا أن مسلما قال عن عمرو الناقد: قال سفيان أشك أني زدت واحدة منها. وأخرجه الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم عن سفيان فاقتصر على ثلاثة ثم قال: قال سفيان وشماتة الأعداء. وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان، وبين أن الخصلة المزيدة هي شماتة الأعداء، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق شجاع بن مخلد عن سفيان مقتصرا على الثلاثة دونها، وعرف من ذلك تعيين الخصلة المزيدة، ويجاب عن النظر بأن سفيان كان إذا حدث ميزها ثم طال الأمر فطرقه السهو عن تعيينها فحفظ بعض من سمع تعيينها منه قبل أن يطرقه السهو؛ ثم كان بعد أن خفي عليه تعيينها يذكر كونها مزيدة مع إبهامها، ثم بعد ذلك إما أن يحمل الحال حيث لم يقع تمييزها لا تعيينا ولا إبهاما أن يكون ذهل عن ذلك أو عين أو ميز فذهل عنه بعض من سمع، ويترجح كون الخصلة المذكورة هي المزيدة بأنها تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة ثم كل واحدة من الثلاثة مستقلة، فإن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لأن شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء وأما شماتة الأعداء فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة. وقال ابن بطال وغيره: جهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدة مشقة وما لا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه. وقيل المراد بجهد البلاء قلة المال وكثرة العيال كذا جاء عن ابن عمر. والحق أن ذلك فرد من أفراد جهد البلاء. وقيل هو ما يختار الموت عليه، قال: ودرك الشقاء يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة، وكذلك سوء القضاء عام في النفس والمال والأهل والولد والخاتمة والمعاد، قال: والمراد بالقضاء هنا المقضي، لأن حكم الله كله حسن لا سوء فيه. وقال غيره: القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل، قال ابن بطال: وشماتة الأعداء ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ، وإنما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تعليما لأمته، فإن الله تعالى كان آمنه من جميع ذلك، وبذلك جزم عياض. قلت: ولا يتعين ذلك، بل يحتمل أن يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بأمته، ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر كما قدمته. وقال النووي: شماتة الأعداء فرحهم ببلية تنزل بالمعادي، قال: وفي الحديث دلالة لاستحباب الاستعاذة من الأشياء المذكورة، وأجمع على ذلك العلماء في جميع الأعصار والأمصار، وشذت طائفة من الزهاد. قلت: وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل كتاب الدعوات. وفي الحديث أن الكلام المسجوع لا يكره إذا صدر عن غير قصد إليه ولا تكلف، قاله ابن الجوزي، قال: وفيه مشروعية الاستعاذة، ولا يعارض ذلك كون ما سبق في القدر لا يرد لاحتمال أن يكون مما قضى، فقد يقضي على المرء مثلا بالبلاء ويقضي أنه إن دعا كشف، فالقضاء محتمل للدافع والمدفوع، وفائدة الاستعاذة والدعاء إظهار العبد فاقته لربه وتضرعه إليه، وقد تقدم ذلك مبسوطا في أوائل كتاب الدعوات. *3* الشرح: قوله (باب) كذا للأكثر بغير ترجمة، ذكر فيه حديث عائشة في الوفاة النبوية، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم "الرفيق الأعلى " وقد تقدم شرحه في أواخر المغازي، وتعلقه بما قبله من جهة أن فيه إشارة إلى حديث عائشة أنه كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، وقضية سياقها هنا أنه لم يتعوذ في مرض موته بذلك، بل تقدم في الوفاة النبوية من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة " فذهبت أعوده فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى". الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى قُلْتُ إِذًا لَا يَخْتَارُنَا وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَتْ فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الشرح: قوله (أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها قالت) لم أقف على تعيين أحد منهم صريحا، وقد روى أصل الحديث المذكور عن عائشة ابن أبي مليكة وذكوان مولى عائشة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد، فيمكن أن يكون الزهري عناهم أو بعضهم. *3* الشرح: قوله (باب الدعاء بالموت والحياة) في رواية أبي زيد المروزي وبالحياة وهو أوضح. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ أَتَيْتُ خَبَّابًا وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا قَالَ لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ أَتَيْتُ خَبَّابًا وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا فِي بَطْنِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ الشرح: حديث خباب، ويحيى في سنده هو ابن سعيد القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وإنما أعاده عن محمد بن المثنى بعد أن أورده عن مسدد وكلاهما يرويه عن يحيى القطان لما في رواية محمد بن المثنى من الزيادة وهي قوله " في بطنه فسمعته يقول " وباقي سياقهما سواء، ووقعت الزيادة المذكورة عند الكشميهني وحده في رواية مسدد وهي غلط، وقد تقدم شرح الحديث مستوفي في كتاب عيادة المرضى. الحديث: حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي الشرح: حديث أنس " لا يتمنين أحدكم الموت " في رواية الكشميهني " أحد منكم " وقد تقدم شرحه أيضا هناك. *3* وَقَالَ أَبُو مُوسَى وُلِدَ لِي غُلَامٌ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ الشرح: قوله (باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم) في رواية أبي زيد المروزي " ومسح رأسه " بالإفراد وورد في فضل مسح رأس اليتم حديث أخرجه أحمد والطبراني عن أبي أمامة بلفظ " من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر يده عليها حسنة " وسنده ضعيف. ولأحمد من حديث أبي هريرة " أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: أطعم المسكين وامسح رأس اليتيم " وسنده حسن، وذكر في باب أحاديث: قوله (وقال أبو موسى ولد لي مولود) هذا طرف من حديث تقدم موصولا في كتاب العقيقة، واسم الولد المذكور إبراهيم. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ الشرح: قوله (حاتم) هو ابن إسماعيل، والجعد يقال فيه الجعيد بالتصغير، والسائب بن يزيد يعرف بابن أخت النمر، وقد تقدم في " باب خاتم النبوة " في أوائل الترجمة النبوية قبل المبعث، وتقدم شرح الحديث هناك وفي " باب استعمال فضل وضوء الناس " من كتاب الطهارة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ مِنْ السُّوقِ أَوْ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ فَيَقُولَانِ أَشْرِكْنَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَيُشْرِكُهُمْ فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ الشرح: قوله (عن أبي عقيل) بفتح أوله واسمه زهرة بن معبد، وعبد الله بن هشام هو التيمي من بني تيم بن مرة، تقدم شرح حديثه في الشركة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهُوَ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ غُلَامٌ مِنْ بِئْرِهِمْ الشرح: قوله (محمود بن ربيع وهو الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وهو غلام من بئرهم) كذا أورده مختصرا، وأورده من هذا الوجه في الطهارة كذلك، ولم يذكر الخبر الذي أخبر به محمود وهو حديثه عن عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وقد أورده في " باب إذا دخل بيتا صلى حيث شاء " من كتاب الصلاة من هذا الوجه مختصرا فقال " حدثنا عبد الله بن مسلمة أنبأنا إبراهيم بن سعد " فذكر بإسناده الذي أورده هنا إلى محمود بن الربيع فزاد " عن عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه إلى منزله فقال: أين تحب أن أصلي في بيتك " الحديث. وأورده عنه من طريق عقيل عن ابن شهاب " أخبرني محمود ابن الربيع عن عتبان بن مالك " فذكره مطولا ولم يذكر قول محمود في المجة، وذكر في العلم من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمود مقتصرا على قصة المجة أتم مما هنا قال " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة " وقد شرحته هناك وأورده قبل " باب الذكر في الصلاة " من طريق معمر عن الزهري مطولا بقصة المجة وبحديث عتبان، وأورده في الرقاق من هذا الوجه كذلك لكن باختصار، وقد أورد مسلم حديث عتبان من طرق عن الزهري منها للأوزاعي عنه قصة محمود في المجة، ولم يتنبه لذلك الحميدي في جمعه فترجم لمحمود بن الربيع في الصحابة الذين انفرد البخاري بتخريج حديثهم وساق له حديث المجة المذكورة، وكأنه لما رأى البخاري أفرده ولم يفرده مسلم ظن أنه حديث مستقل. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ الشرح: حديث عائشة في قصة الغلام الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الصلاة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَسَحَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ الشرح: حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير بمهملتين مصغر وهو صحابي صغير، وأبوه ثعلبة صحابي أيضا، ويقال فيه ابن أبي صعير أيضا. قوله (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عينه) كذا هنا باختصار، وتقدم معلقا في غزوة الفتح من طريق يونس عن الزهري بلفظ " مسح وجهه عام الفتح " وتقدم شرحه هناك. ووقع في " الزهريات للذهلي " عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ مسح وجهه زمن الفتح، كذا أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " عن أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان. قوله (إنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة) سبقت الإشارة إلى هذا في كتاب الوتر، ووقع في رواية الطبراني بعد قوله: " ركعة واحدة بعد صلاة العشاء لا يزيد عليها حتى يقوم من جوف الليل " وسبق بيان الاختلاف في الوتر بركعة فردة مستوفى.
|